فكرة الأكاديمية
ترجع فكرة إنشاء معاهد لدراسات التصوف وعلوم التراث إلى الإمام "محمد زكى إبراهيم" رائد الطريقة والعشيرة المحمدية -رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه- مجدد التصوف باتفاق العلماء فى العصر الحديث، وذلك لأجل النهوض بالدعوة الروحية الصوفية كأساس لإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، في زمان طغت فيه المادية حتى غمرت حياة الناس في مختلف طبقاتهم وأعمالهم وعقائدهم وأوطانهم، فخلـَّفت من الموبقات والسلبيات والمآسي ما تحترقَ لمجرد ذكره الصدور، مما هو مسجل ومعروف فى المعاملات والعلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب والحكومات والدول والتكتلات، حتى لم يبق من المعاني العالية في الإنسان والمجتمع شئ يبشر بخير أو هداية إلا من عصم الله.
والتصوف منهج أصيل للإصلاح، متأصل بحكم القرآن والسنة فى الأمة منذ فجر الإسلام وطوال تاريخها الطويل.
ولقد أصيبت الحضارة الإسلامية في مقتل يوم أن غفلت الأمة عن التصوف في حياتها وواقعها، فتوقفت علوم الدين عند ظاهر الرسوم من أعمال الجوارح والظواهر دون حقيقتها من أعمال القلوب والسرائر، وتوقفت علوم الدنيا عند ظواهر الطبيعة وعوارضها والاستغراق في تفصيلاتها وهوامشها دون النفاذ إلى حقائقها والتعرف على أصولها ومبادئها.
وقد أنتج ذلك آثاراً سلبية خطيرة على كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من خلل حاد في المعاملات، وانحطاط في الأخلاق، وتدهور في القيم، وتعصب في الرأي، وفقدان للعلم، وتطرف في الفكر، وانفلات للعنف، وانقلاب للنظم، وفقدان للمقاييس، وتباطؤ لعجلة الإنتاج، وتفاقم لمشاكل الاقتصاد، وسوء لتوزيع الدخل، وتخبط في السياسة، وتراجع للإبداع، وغير ذلك مما تضيق به القائمة، الأمر الذي أدى إلى انتكاس المجتمعات العربية والإسلامية في العصور الحديثة، انتكاساً أحدث شروخاً جسيمة وانفصامات حادة في الشخصية الحضارية للأمة، مما جعلها تعيش حالة تخبط وتبعية على مدى عقود طويلة.